جيندار السر الاحمر

د.م.165.00

:نبذة عن الكتاب

“في إحدى لياليها السبع قالت رامة لجيندار؛ سبع ليالٍ من القهر تكفيه بدرا لا عشرة.. يا جيندار جيم الجمال هي جيم الوجود. الحرف يمشي في الحرف. يا جيندار، اسمك في سبعة أحرف لا ستة. فبين الجيم والراء مسافة حرف تائه. هل تعرفه؟ دعك من العدد وقِس المدد. يا جيندار.. لن تقول لفتاة منبهراً؛ الله ، كم من الكحل في عيونك! قل لها؛ الله، كم من العيون في كحلك!. هذه كانت كلمة الكحّال حين رأى جلنار أول مرة بكحلها لتصب من سرّ عيونها كل سرّ قلبه. يا جيندار، حين ظهر في سوق ورّاقي البصرة كتاب رسائل اخوان الصفا على حين غرة من المجهول، بعد أن انتبه لها ورّاق فقير في دكانه دون معرفة من وضعها فيه، طُورِدَ الكثيرون من قبل الوالي بعد أن نسخها ذاك الوراق وباعها لأجل لقمته لا لأجل أمته.. لم يكن يصيح من على باب دكانه من يشتري الكتب.. كان يصيح متهكّماً؛ من يشتري الزور. سُجِنَ الكحال حينها وكان لم يحمل لقبه هذا بعد، متهماً إياه والي البصرة أنه من تلك الجماعة السرية الجديدة. جماعة قد تقلب كل شيء، ولكن المسلمين لا يقلبهم شيء. لا فيلسوف ولا حروف. كان بين الوالي والكحال ثأر قديم، لأنه لم يقبل يوماً أن يكتب له تاريخاً يمجّد فيه سيف أجداده، ففرح أن يجده اليوم متّهماً بكتابة إحدى رسائل أخوان الصفا التي لا يعرف ليوم الناس هذا من الذين كتبوها، تماماً كما لا يعرفون من كتب ألف ليلة وليلة.. أليس غريباً؟! ما بال العرب، لا يعرفون حتى لياليهم؟!
لم يقتله الوالي، بل أراد له ما هو أكثر عذاباً. حينها أشار عليه أحد رجالاته الدهاة، أمن يسجنه ويمنعه عن الكتابة فحسب. لأنه أقصى عذاب يعرفه الكاتب. حينها ستأكل روحه روحه، مبرراً ذلك بقوله حكمة يتداولها النسّاخون عن إخوان الصفا أنفسهم في فكرة الجنة والنار يوم القيامة، وهي؛ أن العقاب من جنس الروح لا من جنس الجسد. ارتاح الوالي للفكرة، فأودعه السجن ومنع عنه القرطاس والدواة، وأحكم الرقابة عليه… كان يجاوره في السجن رجل كهل، تزوره ابنته الوحيدة “جلنار” بين الحين والآخر، فكانت رفيق أبيها حزيناً مغموماً طوال زيارتها. سألت أباها عنه، فقال لها أن حزنه هو سجنه عن الكتابة لا عن الناس ، وأن السجّان يفتش كل زائر يتمادى كي لا يُدخِل له شيئاً من أدوات الكتابة. أخبرها أنه تدبّر أمرها ولم يبق إلا الحبر فقط. لكن جلنار لم تر قرطاساً أو قلماً، فأومأ أبوها إلى ريش يقع على أرض السجن من عشّ حمامة يعلو أبواب سجنهما في كوة تعطيهما بعض ضوء الشمس، ويمكنه الكتابة به. وأشار إلى مصحف مركون في زاوية من السجن لسجين كان قد سُجن قبلهما. لم تفهم ما نفع هذا المصحف؟…فقال لها أنه سيكتب في البياض بين سطور هذا المصحف.. وهكذا لم ينتبه إلى ذلك أحد. يا جيندار.. في الزيارة التالية، تفاجأ الأب أن ابنته جلنار جاءته كحلاء بأكثر من الكحل، ولم يكن الأمر من عادتها.. قال الكحّال بعد زمن عن تلك اللحظة: لم أرَ الكثير من الكحل في عيونها كما رأى أبوها. بل رأيت الكثير من العيون في كحلها. لم تجب على استغراب أبيها، اتجهت فقط لخانة رفيقة سجين إخوان الصفا وأخذت كوز مائة، فقربته من عيونها ودعكت الكحل فيه، ثم بدأت تحركه وتذيبه بريشة أخذتها مما هو متناثر في أرض السجن. حار أبوها والكّحال بذلك، ينظران لبعضهما بصمت، لا يعرفان ماذا تريد… انتهت من تذويبه، ثم تقدمت أخيراً بكوز الكحال لرفيق أبيها وصمته، فقدمته له وقالت له؛ خذ، هذا حبرك.. ارتفعت عيونه لعيونها، وكانت عيونها ببقايا الكحل أحلى منها وهي بكل الكحل.. قال في نفسه حينها؛ أقلام تتوضأ بالعيون، لابد أن تجعل الكلمات وضوءاً.. أقلام تتوضأ بالكحل لابد أن تجعل الكلمات كحلاً. ذهب أبوها متلهفاً للمصح في زاوية السجن وأعطاه له. التفتت عيونه لعيون أبيها وهشته، وغمس الريشة من جديد في الكوز، ثم فتح المصحف ووضع الريشة على البياض.. فكتب دون أن يشعر.. الحمدلله الذي كحّل العدم بالوجود، وكحّل الغيب بالشهود، الحمدلله الذي كحّل الشروق بالغروب، وكحّل البراري بالدروب، الحمدلله رب العالمين. الذين عملوا بالخير مع الطير، وبالسيوف مع المناجل… الذين يحلمون بعالم دون رجوع، وبأطفال دون دموع.. وبدين دون قتل، وبأمم دون جهل… لم يصدّق الكحّال كيف نزحت روحه لهذه الكلمات وكيف سكبت ريشته هكذا كحلها.. التفت لجلنار بكل عيونه؛ يا جلّنار، لم أجد حبراً من قبل مثل كحلك. الآن بدأت بهذا القدر أكحّل الحروف… والتفت لأبيها؛ الآن بدأت أعي أن مهمة الفيلسوف هو أن يكحّل الأشياء…”
أن تفلسف الأشياء… تلك أقصى غايات النفس وأرقى ما يصل إليه العقل.. والحذر كل الحذر أن تسيء قراءة فلسفة تمسّ الدين…. غرضها التماس جوهره… وأن تقرأ بسطحية فكر كاتب مضى بعيداً في عمق النفس الإنسانية فتكشف معانيه وماتوصل إليه عن لا محدودية إبداعات هذه النفس.. وعن عذوبة شطحاتها… تذهلك خيالاته التي تمسّ الروح.. فتسموا بها… وتُنير العقل فترتقي به… شخصياته هي أفكاره.. وحواراته… في حوارات بين نفسه وعقله… وحروفه استنارات سطعت معاني وتجسدت من خلال عبارات يحسبها القارئ همسات وخواطر فيلسوف كاتب أو كاتب فيلسوف… وتمضي متماهياً تحثّ عقلك لإدراك أبعاد عباراته.. بكل كلماته… وكل حروفه… وعندها تتولد أفكار لديك لم تعهدها من قبل… وتحلق مع خيالك إلى عوالم كم تاقت نفسك إليها… وهكذا قال: “عندما يحين موت الفارس يسرّح حصانه، لأنه جزء من فروسيته، لا يقبل لأحد ان يركبه، وعندما يحين موت الكتاب يكسر قلمه، لأنه جزء من كلماته، لا يقبل لأحد أن يكتب به… هذا ما قاله جيندار للحافي كي يبعده عنه حين ألحّ على رفقته غداة لقائهما، فما زال جيندار لا يرغب بالبشر ولا يردي وصالها.. قال له قبل ذلك؛ أريد هدوءاً فحسب.. دائماً نجمة القمر وحدها، لا تقبل بغيرها جنبه […]. يفوض في نهر الحياة… يلملم مكنوناته.. يرتبها ضمن مشاهد وحوارات… والشخصية المحورية في هذا كله… فيلسوفه جيندار….  

التعامل مع أفضل مقدمي الخدمات
SKU: 9789774281112 Category:

لا تدفع شيئا قبل أن تتسلم السلعة من طرف المشرق

  • كتب اصلية و موثوقة %100
  • دفع عند التسليم
  • خدمة دعم الزبناء
المؤلف

عبد الرزاق الجبران

الصفحات

333

تاريخ الإصدار

2018

دار النشر

دار مصر العربية للنشر والتوزيع

Reviews

There are no reviews yet.

Be the first to review “جيندار السر الاحمر”

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Shopping Cart